الأحد، 13 ديسمبر 2009

البرادعي.. والاقتراب من المنطقة المحرمة


البرادعي .. والاقتراب من المنطقة المحرمة ..


12th December

يتهمون البرادعي بأنه لا يعرف هموم مصر.. بينما هم الذين لا يعيشون بيننا عندما يتحدثون عن الإنجازات التي تحققت في 28 عاماً
التصدي للدفاع عن الباطل لابد أن يمتلئ بالباطل والأكاذيب والتطاول.. تماما كما أن الدفاع عما هو حق يلتزم بلغة رصينة مهذبة تستند للأدلة الموثقة التي يصدقها ويحترمها العقل.
ولا يختلف كثيرا الهذيان الذي حدث وبدعم رسمي لمهازل معارك كرة قدم مع الجزائر مع هذيان الهجوم علي بيان المصري المحترم د. محمد البرادعي استجابة لدعوات مصرية للترشح للرئاسة - ذلك البيان الذي لم يطالب فيه إلا ما تطالب به جموع القوي الوطنية المصرية والتي يخرج عليها فقط بعض المعارضة التي تعمل سراً وعلانية لتجميل وتكميل الحزب الحاكم أملا في بعض المقاعد تمارس بها ضجيجاً لا يثمر طحينا في المجالس النيابية.

ينعي بعض الهجوم الذي يدعي الحديث الجاد مع د. البرادعي أنه في بيانه يكشف عن قصور إدراك للإنجازات والنجاحات التي تحققت في مصر خلال السبعة والعشرين عاماً الماضية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً - وهو حديث يبدو فيه من يتكلمون هنا كأنهم هم الذين يعيشون بعيدا عن الواقع المصري الحقيقي - وليس د.البرادعي الذي كشف بيانه عن إدراك عميق لما وصلت إليه الحالة المصرية من ترد وتراجع وتخلف - هل يريدون أن ننعش ذاكرتهم ببعض الأرقام الموجعة عن الإنجازات العظيمة للحزب الحاكم؟

وفق تصريح في نوفمبر 2009 لوزير التنمية الإدارية أن النيابة الإدارية تحقق سنويا في 80 ألف قضية تتعلق بإهدار المال العام. انتهي التصريح ولم تنته قوائم النسب والأرقام 44% من المصريين تحت خط الفقر، 300 مليار دولار هُربت سالمة آمنة من مصر، إجمالي الديون 614 مليار جنيه - تضاعف الأورام 8 مرات -، أعلي نسبة في العالم في الفشل الكلوي والكبدي- 20 مليون مصري مصابون بالاكتئاب - يعلم الله وحده الرقم الحقيقي - معدل البطالة بين حاملي المؤهلات العليا ارتفع إلي 79% - تقرير مؤشر وحدة الاستخبارات الاقتصادية والسياسية بالبنك الدولي أعلن أن مصر هي ثالث دولة استبدادية في العالم من بين 50 دولة - احتلت مصر المرتبة 117 بين 131 دولة في توزيع الناتج القومي علي المواطنين.. هل يستطيع السادة المهللون والمدافعون بالإنجازات وبعدم تعطيل مسيرة التقدم والازدهار أن يحدثونا عن حالة التعليم في مصر - أتحدث عن التعليم الذي يخص جموع المواطنين وليس المدارس الخاصة وأبناء السادة والجامعات والمدارس الألفية والدولارية من أملاك حلف السلطة والمال - وهل يستطيعون أن يحدثونا عن هوان العلاج ومزابله التي يطلقون عليها مستشفيات، بينما تريليون جنيه من البترول والسياحة والقناة والتحويلات ذهبت في عمليات المضاربة علي الأراضي والاستهلاك السفيه «عد إلي الدراسة الخطيرة التي أعدها الخبير الاقتصادي عبد الخالق فاروق - الكرامة 9/11/2009 »-، أما كوارث تلوث التربة ومياه الشرب والغذاء والهواء وشرب مياه الصرف الصحي والري بمياه المجاري - واستيراد أكثر من نصف ما يحتاجه الشعب من غذاء والصفقات الفاسدة والمسرطنة والتي تزرع في بلادها ليأكلها الحيوان.. لا أظن شعباً يتعرض لصنوف الإبادة والحروب البيولوجية كما يتعرض المصريون، لا أدري معني ما يكتب من أن التغيير أعمق مما يبدو علي السطح، ورغم أنني أشرت إلي نماذج متواضعة قياساً إلي مجمل تردي الحالة المصرية التي يخشون أن تعطل مسيرتها أصوات قادمة من الفضاء الافتراضي وسلالم النقابات التي اضطر المعارضون أن يقفوا عليها لشدة ازدهار واحترام الحريات والعمل النقابي، تلك الأصوات التي اتُهم بيان د. البرادعي بالاستناد إليها- واتهام هذه الأصوات بأنها لا تقدم مقياسا واحداً بأنها تمثل حقا الشعب المصري ولم يقل المهاجمون سواء المهذبون أو المتطاولون ما المقياس الذي يستند إليه الحزب الحاكم في تمثيل الشعب المصري - هل هو التزوير المثبت بأحكام القضاء وباعترافات كبير مسئولي الحزب ورئيس الوزراء في الولايات المتحدة - وإلي جانب التزوير هناك عصا الأمن وإرهاب قانون الطوارئ.

«3/12» الحالي نشرت الصحف المستقلة مقتطفات من تقرير 16 منظمة مصرية من منظمات حقوق الإنسان قامت برفعه إلي الأمم المتحدة تتهم الحكومة فيه بتحويل مصر إلي دولة بوليسية تضطهد وتطارد فيها الحريات، ووثق التقرير أدلة انهيار حقوق المواطنين بسبب القمع والتعذيب والقوانين الاستثنائية - كيف في ظل هذه الأوضاع المخزية يمكن إجراء انتخابات محررة من التزوير وإرهاب الناخبين، وأين هذه اللجنة المستقلة والمحايدة التي أعلنوا أنها تتولي تنظيم جميع إجراءات العملية الانتخابية لضمان نزاهتها - وإذا كان هذا الكلام يحمل أي ظل من الحقيقة فكيف زوروا كل ما أجري من انتخابات؟!، وإذا كان لا يوجد قاض لكل صندوق في الدول الديمقراطية والمتقدمة فلأنه لا يوجد في كل صندوق لص ومزور وعصا أمن وقانون طوارئ!! وجزء من باطل الهجوم يبدو في اعتبار الرقابة الدولية تدخلاً في الشئون والسيادة الداخلية، ولا أعرف هل وجود رقابة دولية علي الانتخابات الأمريكية كان تدخلاً في السيادة والشئون الداخلية الأمريكية؟ .. وهل الدعم والمعونات والنفوذ والتحالفات مع الإدارة الأمريكية تمثل احتراما للسيادة المصرية!! ويكتمل باطل الهجوم بالطعن علي أداء د. البرادعي لمهمته في الوكالة الدولية للطاقة ليبدو تقارباً مدهشاً ومخجلاً بين الهجوم المصري والهجوم الإسرائيلي عليه، وأن يكون منع تدمير المشروع النووي الإيراني محوراً أساسياً -ورغم ما يعرفه بعض من هاجموا الظروف الدولية بالغة الصعوبة والتعقيدات والفوضي والاجتياح للمؤسسات الدولية وكل ما أدار فيها د. البرادعي مهمته باحتراف سياسي واضح جمع له هذا القدر من كراهية وهجوم العدو الصهيوني والذي مازال الضمير المصري الذي لم تنحرف بوصلته الوطنية يعتبر عداء الصهاينة أحد أهم أسس الفرز الوطني - للأسف أن يتقارب الهجوم علي د.البرادعي من أولياء النظام في مصر والإرهابيين في إسرائيل - وهو في الحالتين هجوم يؤكد الخوف - خوف نظام هش لا يستطيع أن يحتكم إلي انتخابات حرة وإلي شعبية حقيقية داخل مصر - وخوف صهيوني كشف أكثر من مرة أن بقاء الفساد والاستبداد وانعدام الديمقراطية في مصر من أهم دعائم قوته ونجاح خططه للمنطقة!!

ويتحول غثاء الهجوم إلي تطاول عندما يتهمون من يستجيب لنداءات أبناء وطنه للمشاركة في تجربة ديمقراطية حقيقية تنهي فضائح التزوير وتنهي أنظمة ترويع المواطنين وتستعيد العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية وتعيد الوطن حقا وملكا لجميع أبنائه بأنه مطية سهلة لقوة خارجية ولمجموعات مصالح تتربص بالتجربة المصرية في الإصلاح والحرية بهدف تبديد المكاسب والإصلاحات التي تحدث في مصر الآن.. وليت المهاجمين المهذبين يتركون الفزع مما فعله بيان د.البرادعي جانبا ويفيدوننا برأيهم فيما أشرنا من قليل من كثير من أرقام ووقائع ما أصبحت عليه أحوال مصر والمصريين .. ثم هل حصل د. البرادعي علي قلادة النيل العظمي تقديرا لعمالته للخارج، أم أن رجلنا الذي كرمه الرئيس مبارك هذا التكريم الذي لا يمنح إلا للملوك والرؤساء ومن قدموا للإنسانية خدمات جليلة.

ليطالب بإنقلاب علي الدستور وتهدم للمؤسسات المصرية القائمة - كما وصفوا ما جاء في البيان -ولا أعرف ما اسم ما ارتكب بحق الدستور 2005 و2007، وما اعتبره خبراء وأساتذة الفقه الدستوري أخطاء وخطايا وإهانة للشعب المصري ليس لها مثيل في دساتير الدول المتقدمة والمتخلفة!!

ويبقي سؤال للذين لا يدافعون عن نظام، ولكن عما تحقق لهم من مكاسب لم تكن تخطر لهم ولا في أحلامهم.. لماذا يخشي نظام له شعبية وجماهيرية كما يدعي وحقق إنجازات عظيمة ينعم بها المصريون أن يخوض انتخابات ترفع عنها وسائل التزوير والتنفس الصناعي التي استمدوا منها شرعيتهم المخطوفة.. لماذا يخشي التنافس وفق شروط النزاهة الكاملة مع قامات محترمة ممن تمتلئ بهم مصر؟! الأقوياء بشعوبهم لا يخافون ولا يطلقون الحملات المكذوبة والمسعورة علي من يختلفون معهم ولكن يحتكمون ويستقوون بشعبيتهم إذا كانت موجودة، ولأنها غير موجودة فانتظروا معارك وإسفافاً وبلطجة وتطاولاً ستتواضع أمامه جميع مشاهد الانهيار والسقوط والإسفاف التي حدثت من أجل مباراة كرة قدم.

عيب.. مصائر الشعوب وحرياتها وحقوقها الأصيلة في اختيار من يمثلونها تمثيلا أمينا لا تدار ولا تعالج بالتطاول أو الإرهاب.. وعليكم أن تطمئنوا أنه كلما ازداد الهجوم علي المصري المحترم د. البرادعي ازداد المصريون الغارقون في مستنقعات الحاجة والفقر والمرض والبطالة واعتراك لقمة العيش.. وكل ما صنعته لهم هذه المصائب من عزلة عن الحياة السياسية - ازدادوا اقترابا ومعرفة بالرجل وبكل ما يمثله من قيم محترمة وبمعني ما يطالب به وما سبق وطالب به ومنذ سنوات أغلب القوي الوطنية، وأنها كلها تترجم أحلامهم وآمالهم في الخلاص والتخفيف من العذابات والكوارث التي يعيشونها «تسألني بائعة الصحف وهي ترص طاولة صحفها وينكسر ظهرها بسبب رفع رصات الصحف الحكومية التي يذهب أكثرها كما جاء - مين الراجل اللي عايزين ياكلوا لحمه ده.. يبقي راجل كويس مادام سنوا أسنانهم عليه!!». إنهم يحاولون الآن اختصار هذه المعركة المصيرية في بيان وانقلاب د. البرادعي والتي يظنون أنها تنتهي بخطط الوأد والإهانة والتهوين والتخوين.. إنها معركة جميع القوي الوطنية التي تدرك حجم الخطر القادم ما لم يحدث تغيير سلمي دستوري يعيد بعث قوي مصر الكامنة وإيقاف تجريف وتدمير ثرواتها البشرية والطبيعية من خلال انتخابات محررة من التزوير، تعيد رسم خريطة المجالس النيابية وتفتح الطريق أمام المستقلين لخوض انتخابات الرئاسة وخلق نظام سياسي ديمقراطي جديد.. وأكرر السؤال: لماذا يخاف الأقوياء بشعبيتهم وإنجازاتهم التي حققوها خلال ما يقارب ثلاثين عاماً أن يخضعوا لإرادة واختبار واختيار الشعب ودون أن يتحصنوا ويختبئوا في جحر الخطيئة الدستورية التي أطلقوا عليها المادة «76»؟!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق