السبت، 16 مايو 2009

نتنياهو ولعبة التوازن الدقيق في تعامله مع اوباما وادارته المتمسكة بتجديد المفاوضات الفلسطينية-الاسرائيلية


السبت مايو 16 2009
لندن
عندما تهبط طائرة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ارض واشنطن غداً، لا بد له من محاولة القيام بعملية توازن دقيق ومعقد. اذ سيكون لادائه لدى لقائه الرئيس الاميركي اوباما الاثنين اثر عميق على الشرق الاوسط لسنوات لاحقة.
وتقول صحيفة "ذي تايمز" البريطانية في مقال للمعلق الصحافي جيمس هايدر ان نتنياهو يتوجه الى واشنطن بجدول اعمال واضح – "اقناع الادارة الاميركية بالتركيز على جهودها لمنع ايران من الحصول على الاسلحة النووية. ويريد كذلك ان يضع قضية الدولة الفلسطينية في المقعد الخلفي لتحاشي قضيتين ترتبطان بها.
اما اوباما الذي سيلقي خطابا رئيسيا في القاهرة الشهر المقبل في محاولة لاصلاح ذات البين في العلاقات المتضررة مع العالم الاسلامي، فسيركز على اهمية تجدد المحادثات الفلسطينية - الاسرائيلية لتعزيز المصداقية الاميركية في المنطقة".
ويقول الكاتب "ان الرجلين زعيمان متقدا الذكاء وخطيبان مفوهان. ومن المحتمل ان ينظر نتنياهو الذي تلقى علومه في الولايات المتحدة وخدم في وحدة كوماندوز ولديه اعتزاز بمعرفته باساليب مكافحة الارهاب، الى اوباما الاصغر سنا من يسار الوسط على انه حديث عهد بسياسة الرمال المتحركة في السياسات الشرق الاوسطية، وان كان عليه ان يعد خطواته بحذر. ففي العام 1996، اثناء ولايته الاولى كرئيس للوزراء، قلل نتنياهو من شأن الرئيس كلينتون بعد ان غادر الاخير المنطقة بالقول ان احاديثه كانت من حشو الكلام. وقد تسبب ذلك بالحاق اذى دائم في العلاقات مع واشنطن. ويدرك اوباما ان الكثير من الاسرائيليين يرون في رئيس وزرائهم الجديد انساناً سريع الانفعال، لكنه في غالب الاحيان يتراجع عن مواقفه نتيجة الضغوط التي تواجهه.
لقد انشغلت حكومة نتنياهو اليمينية في رسم صيغة جديدة لمعالجة الصراع العسير مع الفلسطينيين منذ ان تولى منصبه قبل شهرين بعد منافسة انتخابية حامية. ورغم انه لم يصدر بيان علني حتى الان، الا ان كبار المسؤولين الاسرائيليين يقولون ان عملية سلام اوسلو التي مضى عليها 16 عاما قد اصبحت من سقط المتاع وانه قد تم اعداد اسلوب جديد.
ويبدو ان ذلك يقوم على أساس قرار بعدم منح الفلسطينيين دولة كاملة السيادة. ويقول المسؤولون الاسرائيليون انه ليست هناك وسيلة حقيقية لتحقيق سلام في ظل انقسام الفلسطينيين بين حكومة "فتح" في الضفة الغربية وقيادة "حماس" المدعومة ايرانيا في غزة. وقد تحدث نتنياهو عوضا عن ذلك عن منح السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية حكما ذاتيا، مصحوبا باستثمار اقتصادي واسع لرفع مستوى الحياة ما يؤدي الى تقليل حدة العنف.
ويصعب على المرء ان يعتقد ان اوباما سيتبنى مثل هذه الرؤية علنا. فقد اكدت وشنطن التزامها بحلل الدولتين واصرت على ضرورة استئناف محادثات السلام. وقال نتنياهو، مذعنا لهذا الضغط، في اجتماع هذا الاسبوع مع الرئيس المصري حسني مبارك انه يتوقع ان تستأنف المفاوضات في الاسابيع المقبلة. ولكن ليس بامكانه ان يخضع اكثر لاميركا من دون ان يفقد دعم ائتلافه الحكومي.
وتحض الولايات المتحدة وبريطانيا كلاهما على دعم المبارة العربية للسلام التي اعلنت منذ سبع سنوات والتي تقضي بعقد الدول العربية كلها اتفاقات سلام مع اسرائيل اذا تخلت الاخيرة عن الاراضي التي احتلتها في العام 1967. وترى اسرائيل ان البنود الرئيسة ستسمح لملايين اللاجئين الفلسطينيين بالعودة الى منازلهم في ماصار يعرف بـ"اسرائيل" بعد حرب 1948، وهو ما يقضي على هويتها كدولة يهودية.
وقد تسربت انباء مفادها ان المبادرة العربية تعرضت للتخفيف لتصبح اكثر قبولا لدى اسرائيل، رغم ان كل الاطراف تلتزم الصمت، نتيجة المفاوضات الواسعة السابقة، حول التنازلات التي يمكنهم ان يقدموها.
على ان هناك شيئا واحدا سيتفق عليه اوباما ونتنياهو – الحاجة لمواجهة مطامح ايران النووية. وقد تبين هذا الاسبوع ان رئيس وكالة الاستخبارات الاميركية ليون بانيتا قام بزيارة اسرائيل اخيرا للحصول على تأكيدات بان حكومة الصقور التي يرأسها نتنياهو لن تجازف بضربة استباقية من جانب واحد ضد ايران. وقيل ان اسرائيل قدمت فعلا تلك التطمينات.
ومع ذلك يبقى الضغط على ايران هدفاً مشتركاً، وسيتم تركيز معظم محادثات الاسبوع المقبل على الاسلوب. فالولايات المتحدة متوجسة كثيرا من الضربات العسكرية: وقد شرح تقرير لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في وشنطن (الذي نشره موقع أمس) التحديات العسكرية الكثيرة، وفرص النجاح الضئيلة وتداعيات اشعاعية وسياسية نتيجة قيام اسرائيل بضربة منفردة ضد ثلاثة مواقع نووية رئيسة للمعالجة والتخزين. وقدر التقرير ان اسرائيل ستحتاج الى قوة ضاربة مكونة من 90 طائرة تحلق عبر اجواء معادية بينما تشوش على الرادارات لتسقط قنابل ضخمة مدمرة للتحصينات على منشآت ايران المغلفة بالخرسانة المسلحة والمدفونة على عمق بعيد تحت سطح الارض لتضربها من الزاوية الصحيحية تماماً من اجل تحقيق اي نجاح.
ويقدر التقرير ان اسرائيل يمكن ان تخسر ثلث قوتها الضاربة، وهو ثمن ضخم مقابل ضربة يمكن ان لا تسفر في احسن الاحوال الا عن تأخير برنامج ايران النووي، وقد تحفز طهران بدافع الخوف لتسريع البرنامج. وتنبأ التقرير ايضاً بان من شأن غارة ناجحة ان تنشر الاشعاع النووي عبر جزء كبير من ايران، وان تقتل آلاف المدنيين، بينما يمكن ان تنقل الرياح الاشعاع عبر الدول الخليجية المعتدلة.
ويرجح ان تطلق ايران صواريخ على اسرائيل رداً على ذلك، وربما يكون بينها صواريخ حاملة رؤوساً حربية كيماوية بينما هي تضرب ايضاً بالقدرات الصاروخية لوكيليها حزب الله في لبنان و"حماس" في غزة. ويحتمل ايضاً ان تأمر الميليشيات الشيعية بمهاجمة القوات الاميركية في العراق وتسليح قوات طالبان في افغانستان واعاقة تصدير النفط عبر الخليج.
وبالنظر الى سيناريو القيامة هذا، فقد يركز الزعيمان بدلاً من ذلك على عزل ايران اكثر عن حليفتها الرئيسة سوريا التي عبرت عن اهتمامها باستئناف محادثات السلام مع اسرائيل برعاية الولايات المتحدة.
وتطالب سوريا باستعادة مرتفعات الجولان، الهضبة الاستراتيجية التي احتلتها اسرائيل في حرب حزيران (يونيو) 1976 والتي يعيش فيها الآن نحو 20 الف مستوطن اسرائيلي. ومن شأن فتح مسار مفاوضات مع سورية ان يساعد اسرائيل في التهرب من الضغط الاميركي باتجاه مفاوضات مع الفلسطينيين، وقد ينطوي على امكانية قطع صلة لوجستية مفتاحية بين ايران وحزب الله و"حماس".وسيسمح هذا للادارة الاميركية ان تشير الى حصول تقدم في المنطقة، بينما تعزل ايران اكثر فأكثر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق