السبت، 29 أغسطس 2009

هل بات التوريث قدرا لا مفر منه؟!

هل بات التوريث قدرا لا مفر منه؟! وهل يتحمل النظام السياسي وحده مسئولية تحوله من "افتراض" إلى "حقيقة"؟! أم أن هناك تواطؤا مجتمعيا مع النظام نفسه لتمريره كثمرة ـ كما يعتقد البعض ـ لحالة "التبلد العام" التي سكنت مشاعر المصريين ولا أمل في أن يغادرها يوما ما؟!
المسألة ليست فقط "تبلدا" وإنما "تواطؤا" ناجما عن التسليم بما يُعتقد بأنه "أمر واقع".. يمارسه البعض من منطلق أن "التوريث" لم يعد في مرحلة "السجال السياسي"، وإنما بات واقعا نلامسه من خلال الحضور الطاغي للوريث في قلب صناعة القرارات الرسمية للدولة.. أو أن السلطة قد انتقلت إليه فعلا بطريقة "ناعمة" ولا ينقصها إلا "التخريجة" : تأمين تحوله من "رئيس عرفي" يحكم بالباطن إلى "رئيس رسمي" لا تنقصه الشرعية.
رصد وتحليل بعض المواقف، لا يدين فقط معامل النظام التي ابتدعت الفكرة، وفرضتها على الجميع أو على الأقل نجحت في "تليين" الرأي العام وتهيئته لقبولها أو التعايش معها أو على الأقل يألفها مع الوقت إلى أن تصبح واقعا بحكم الإلف والتعود.. رصد بعض المواقف بما فيها الحركات الاحتجاجية، يجعل من الأخيرة طرفا في إضفاء الشرعية على التوريث.. حين يطالب المناضلون المهنيون وغيرهم إحالة مطالبهم إلى جمال مبارك، أو يطالبون بحضوره لسماعهم والاطلاع بنفسه على مشاكلهم.. فيما يحمل الموقف المراقب على أن يتساءل عن مغزى "مناشدة" نجل الرئيس للتدخل وليس الرئيس نفسه؟!
هذا المنحى بات "ظاهرة" وقاسما مشتركا بين غالبية الحركات الاحتجاجية، سيما المهنية وغير المسيسة، كلما تأزمت العلاقة بينها وبين السلطة وتعنتت الأخيرة في النزول عند مطالبها.. إذ تتعالى الأصوات مستنجدة بجمال مبارك لحل أزماتها!
الظاهرة تعتبر اعترافا ضمنيا بأن "الوريث" لم يعد محض مسئول حزبي، وإنما "سلطة" تعادل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد.. قادرة على أن تأمر فتطاع وهي "المنزلة السياسية "التي لا تتوفر إلا لرئيس الجمهورية.
بل إن بعض المسئولين بالدولة، يطالبون أحيانا بإحالة بعض الملفات الحساسة إلى جمال مبارك! وهو مطلب ينقل نبض السلطة من داخلها بشأن أحاسيسها الخاصة بالمكانة السياسية لنجل الرئيس، بل ربما تكون هي الأحاسيس الأكثر صدقا بحكم قربها من دوائر صناعة القرارات الرسمية.. بل إن الصخب الإعلامي الذي مارسته بعض القوى السياسية والصحف الخاصة، حول التوريث، كان جزءا من حالة "التواطؤ العام" مع النظام على تمريره، إذ ظلت عمليات التركيز على نجل الرئيس باعتباره "الرئيس المقبل" ولو من باب النقد، إحدى أهم الآليات التي سكتت عليها السلطة باعتبارها وسيلة لتعويد الرأي العام على أن يألف سماع اسم جمال مبارك مقرونا بـ"الرئيس المنتظر" ، تمهيدا لترسيمه رسميا وسط أجواء عامة كانت تتوقعه ولا تستغربه.. فالكل ـ إذن ـ كان متواطئا مع النظام على السيناريو ومشاركا في كتابته وإخراجه: حكومة ومعارضة وحركات احتجاجية وصحفا خاصة ومستقلة.. مصر كلها كان مشروعها الأساسي "التوريث" .. وهذه هي حقيقة المشهد السياسي المصري الآن، مهما بالغت الأصوات المعارضة في تصويره على غير ذلك.. فكلهم متواطئون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق