السبت، 29 أغسطس 2009

القدس .. يا من لا تخجلون !! ـ د. مصطفى رجب


د. مصطفى رجب : بتاريخ 28 - 8 - 2009
أثارت استقالة حاتم عبد القادر عضو المجلس الثوري لحركة فتح ، من عمله الحكومي بوصفه مسؤولا عن ملف القدس ، انتباه المهتمين إلى الموقف الخطير الذي تعيشه القدس حاليا إثر المحاولة الاخيرة التي قامت بها الجمعيات الصهيونية المتطرفة لاقتحام المسجد الاقصى يوم الخميس الأخير من يوليو الماضي 2009 لأداء شعائر تلمودية فيه ، وقد فشلت محاولة المتطرفين بفضل التواجد المكثف للمواطنين الفلسطينيين في القدس وأعضاء الحركة الاسلامية داخل الخط الأخضر، حيث منعوا المتطرفين الاسرائيليين من دخول باحات الحرم، وعادت الامور الى طبيعتها مؤخرا.
ومن الواضح الآن لكل ذي عينين أن هناك تصعيدا خطيرا وتماديا واستهتارا كبيرا في الاعتداءات على المسجد الاقصى من قبل المستوطنين والمتطرفين الصهاينة والقوات الاسرائيلية من خلال عمليات اقتحام متكررة أو استمرار الحفريات التي أدت مؤخرا إلى سقوط احدى الشجرات التاريخية في باحة الاقصى.
والحقيقة أن الفلسطينيين بالداخل لا يملكون سلاحا ولا مالا ، بل سيدافعون عن المسجد الأقصى بأجسادهم فقط ، فيسقط منهم الآلاف مضرجين بدمائهم تحت الجرافات والمجنزرات الصهيونية ، وهو الأمر الذي بات معتادا ومتكررا منذ احتلال إسرائيل مدينة القدس عام 1967م ، إذ لم تأل إسرائيل جهداً في سبيل دعم وجودها غير المشروع في هذه المدينة المقدسة ، واتخذت إسرائيل عدة اجراءات استهدفت من ورائها - وما زالت - تهويد المدينة وظهر ذلك من خلال :
1) استبدال القوانين الصهيونية بالقوانين المحلية وتغيير العملة .
2) هدم الأحياء العربية والإسلامية وبناء المستعمرات " المستوطنات " لإحلال اليهود محل العرب .
3) انتهاك حرمة المسجد الأقصى عن طريق ارتياده في ملابس منافية للحشمة واستباحة دخوله في جميع ساعات النهار والتعدي على المصلين .
4) الاستيلاء على الأوقاف الإسلامية في القدس .
5) هدم الأماكن الأثرية المجاورة للمسجد الأقصى .
6) وكان آخر حلقات هذا المسلسل حفر سلسلة من الأنفاق تحت المسجد .
بداية المؤامرة قديمة :
• بدأت مؤامرات الصهيونية ضد المسجد الأقصى من قبل احتلال إسرائيل إياه ، فقد ورد في دائرة المعارف اليهودية أن اليهود يبغون أن يجمعوا أمرهم وأن يقدموا إلى المسجد الأقصى ويتغلبوا على قوة الأعداء وأن يعدوا العبادة إلى الهيكل ويقيموا ملكهم هناك .
• وجاء في دائرة المعارف البريطانية أن اليهود يتطلعون إلى امتداد إسرائيل واستعادة الدولة اليهودية وإعادة بناء الهيكل .
• وفي أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين طلب اليهود من الحكومة البريطانية أن تسلمهم الحرم الشريف بحجة انه ملك لهم وأن الجدار الغربي من المسجد هو حائط المبكى المزعوم .
• وفي عام 1929م أعلن جلوزنر أحد زعماء الصهيوينة أن المسجد الأقصى القائم على قدس الأقداس إنما هو ملك لهم ، وقد ردد هذا الادعاء وزير بريطاني يهودي يدعى اللورد ملتشت الذي قال : " إن اليوم الذي سيعاد فيه بناء الهيكل أصبح قريباً جداً وإنني أكرس ما بقي من حياتي لبناء هيكل سليمان مكان المسجد الأقصي . "
• وقال بن جوريون رئيس إسرائيل عقب إقامة الدولة اليهودية عام 1948م عبارته الشهيرة : " لامعنى لقيام إسرائيل بدون القدس ، ولا معنى للقدس بدون هيكل "
• وفور ضم القدس في 5 يونيو 1967م بدأت إسرائيل تنفيذ مخططاتها الجهنمية ، ففي 11يونيو 1967م دمرت إسرائيل المنطقة الواقعة امام حائط المبكى وأجلت سكانها ، وفي 13يونيو 1967م بدأت عمليات التنقيب عن الآثار بالمنطقة ودمرت بعثات التنقيب خلال عاميها مسجد الزاوية ومسجداً آخر كان يقع جنوب حائط المبكى .
• وفي يناير 1968م اصدرت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتأليف بعثة تنقب عن الآثار يرأسها بنيامين مازار من الجامعة العبرية وقامت البعثة خلال عملها بتحطيم الباب الأوسط للمسجد الأقصى .
• وفي 8يونيو 1968م زار بن جوريون حائط المبكى [ وحائط المبكى يقع في الجانب الغربي من المسجد وهو الجانب الذي يعتقد المسلمون أن جبريل عليه السلام ربط عنده البراق الذي صعد به النبي إلى السماء ] ونظر بن جوريون إلى إشارة البراق المحفورة بالسيراميك وقال :" يجب إنزال هذا الشعار .
• وفي 21أبريل 1969م بعثت الحكومة الأردنية إلى يوثانت سكرتير عام الأمم المتحدة تطلب تدخل المنظمة الدولية لوقف عدوان إسرائيل على الحرن الشريف .
• دعت إسرائيل أنصارها في الخارج لإنشاء صندوق لجمع الأموال من أجل إعادة بناء هيكل سليمان .
• وفي 4 يوليو 1969م اتخذ مجلس الأمن قراراً أعلن فيه تمسكه بقراره السابق للمجلس بعدم جواز ضم القدس إلى إسرائيل واستنكر كل الإجراءات التي اخذتها اسرائيل لتغيير الوضع في الأراضي المحتلة .
وبعد هذا القرار بنحو شهر ونصف ارتكبت إسرائيل في 21 أغسطس 1969م أكبر جريمة بإشعال حريق استمر من السابعة صباحاً حتى قبيل الظهر وقد أتت النيران على الجناح الشرقي للمسجد فأزالت منه مقدسات ظلت مصونة لأكثر من 1300عام وهددت قبته الأثرية المصنوعة من الفضة الخالصة بالسقوط بعد أن انهار جانب من سطح المسجد الكبير .
وقد أكد الحريق ، والأحداث التي تلته في القدس ، أن النار أشعلت في المسجد الأقصى بتدبير محكم ، فقد بدأ الحريق المفاجيء في الساعة السابعة والنصف صباحاً من داخل المسجد ، دون أن تتحرك سلطات الاحتلال لإنقاذ واحد من أعز وأغلى مقدسات الإسلام ، وأخذت النيران تسري في الجناح الشرقي للمسجد ، وأعمدة الدخان ترتفع منع إلى عنان السماء ، موحية بالجريمة التي ارتكبت ضد تاريخ الإنسان وحضارته .
وكان ارتفاع اللهب والدخان منه لمئات الأقدام في الجو ، ثم سريان النبأ بين جماهير القدس ، هو بداية يوم رهيب في المدينة . فقد سارع عشرات الآلاف من كل صوب إلى منطقة المسجد داخل اسوار الجزء القديم من المدينو المقدسة ، يحاولون بأيديهم العارية اطفاء النار بكل وسيلة .
وسارعت مجموعة من الشباب باقتحام المسجد لجمع كل ما يمكن حفظه من المقدسات الأثرية ، بينما كانت مجموعات منهم تقف صفوفاً متراصة ، مشكلة جداراً بشرياً يجتهد من داخل القدس إلى أبواب المسجد الأقصى ليسلم كل منهم " جرادل " المياه إلى زميله في محاولة لإطفاء النيران . وكان البعض الآخر قد سارع إلى جمع اكبر مجموعة من خراطيم المياه لتسليطها على الأعمدة الأثرية والسقف التاريخي لحمايتها من النيران . بينما كانت كتل أخرى تقف في ساحة المسجد التي تشغل 144 ألف متر مربع لحماية قبة الصخرة المشرفة من امتداد النيران إليها .
وكانت الجماهير لا تزال تتدفق على منطقة الجريمة التي دبرتها إسرائيل ، وسلطات الاحتلال ساكنة لا تتحرك ، وكانت عربات الإطفاء التي بدأت تشارك في إخماد النيران قد تحركت تلقائياً ، وهي تضم فرقة الإطفاء العربية في القدس التي عززتها بعد ذلك فرق أخرى للإطفاء من مدينتي رام الله والخليل في الضفة الغربية المحتلة .
إن ما تقوم به إسرائيل حالياً من محاولات يومية للتحرش بالمسجد الأقصى ، والتضييق على سكان القدس إن هو إلا محاولة سافرة سافلة من حلقات مسلسل التهويد الذي وضع بذرته الأولى الزعماء المؤسسون للحركة الصهيونية ابتداءً من هرتزل ومروراً ببن جوريون وانتهاءً بالفتى المدلل لحزب الليكود : بنيامين نتنياهو ، الذي يذهب في كتابه " مكان تحت الشمس " إلى أن سياسة حزبه في عملية السلام الحالية تعتمد على إنشاء عدد من المستعمرات " المستوطنات " في مجموعة الجبال المحيطة بالقدس يطلق عليها فيما بعد اسم القدس ويمكن التفاوض مع العرب حولها وإعطاؤها نوعاً من الحكم الذاتي " المحلي " المحدود ، أما القدس بوضعها التاريخي الذي استعرضناه آنفاً فهي - في المفهوم الصهيوني - غير قابلة للتفاوض ، والأمل معقود على أن تسعى الشعوب الإسلامية والعربية لحفز قادتها على اتخاذ مواقف أكثر تشدداً مع العدو الصهيوني للحفاظ على ثالث الحرمين وأولى القبلتين .
والسؤال هنا لعلماء الفضائيات : إلى متى تُغرقون الأمة في هذه الدوامة المتصلة من الإلهاءات والمسكنات بتشجيع الاستفتاء حول مسائل يومية تافهة بالقياس إلى قضية 70 ألف مقدسي يعيشون الآن بلا مأوى داخل مدينة القدس بعد هدم منازلهم ؟
والسؤال هنا لعلماء الأزهر في مجمع البحوث الإسلامية ولزملائهم مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ، والمجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي : لا أسكت الله لكم صوتا .... ما رأيكم – عمليا – فيما يجري في القدس ؟ ألا يستحق تشريد سكان القدس منكم وقفة عنترية كتلك التي وقفتموها يوم سافرتم لإنقاذ تمثال بوذا من برائن عساكر طالبان ؟ هل بإمكانكم إصدار فتاوى جماعية بتأثيم كل الحكام المسلمين الذين يسكتون على ما يحدث ؟
والسؤال هنا لأمير المؤمنين : جلالة الملك محمد السادس بن الحسن الثاني بن محمد الخامس رئيس ما يسمى ب( لجنة القدس ) المؤلفة بقرار مؤتمر القمة العربي 1969بالمغرب برياسة الملك الراحل الحسن الثاني ومن بعده آلت رياستها لجلالتكم : ماذا فعلت لجنتكم من 1969-2009؟
والسؤال هنا للرئيس أبو مازن : هل كل ما بيد السلطة الوطنية أن تقدمه للمقدسيين هو تلك الكميات الباهتة من الأرز والسكر والدجاج التي ترسلونها إليهم في شهر رمضان ؟
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
==============================
Mostafaragab2@gmail.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق